من هو الشهيد؟؟
الشهيد هو ذلك الإنسان الذي تحضر الملائكة لحضات فراقه الدنيا "تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا... " (فصلت : 30) ..
الشهيد هو ذلك الإنسان الذي يشهد ما أعد له من النعيم ولما يفارق الأرض بعد ..
الشهيد هو ذلك الإنسان الذي تشهد روحه عند الله "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله" (آل عمران : 169 – 170) ..
الشهيد هو ذلك الإنسان الذي شهد الله وملائكته له بالجنة ، أو هو ذلك الغائب الحي الذي لم يمت ، أو هو ذلك الإنسان الذي قام بشهادة الحق في أمر الله حتى قُتل ..
لا يتّتخذ الله سبحانه وتعالى للشهادة إلا من رضيه لتلك المنزلة العالية ..
فـ "أفضل القتل قتل الشهداء الذين يهراق دمهم ويُعقر جوادهم .." (صحيح : أبو داود) .. يطهّره الله فـ "يُغفر له في أول دفعة من دمه .." (الترمذي : صحيح)
أحب القطرات إلى الله : قطرات دم الشهيد .. (حسن : الترمذي)
إنه شرف تمناه النبي صلى الله عليه وسلم .. (صحيح : مسلم)
ولأن الله سبحانه وتعالى اصطفاه على خلقه وقدمه عليهم فلا يجد الشهيد ألم القتل ، إلا كما يجد غيره من مسّ القرصة .. (صحيح : الترمذي)
ويزف إلى الله يوم القيامة وريح دمه المسك .. (البخاري ومسلم)
لا يموت الشهيد بل هو حيّ عند ربه يُرزق ، فرح بما آتاه الله من فضله .. (آل عمران : 169)
يأتي الشُّهداء يوم القيامة واضعي سيوفهم على عواتقهم تقطر دماً يزدحمون على باب الجنة .. (حسن : الطبراني في مسند الشاميين)
يرى مقعده من الجنة ولما تقوم القيامة بعد .. (صحيح : الترمذي)
يُجار من عذاب القبر (صحيح : الترمذي) كيف لا وقد صبر في ذات الله واحتسب بجهاده ..
يأمن من فتنة القبر .. (الحاكم في المستدرك : حسن لغيره) وكفي ببارقة السيوف فوق رأسه فتنة ..
يأمن من الفزع الأكبر (صحيح : الترمذي) ، كيف لا وقد أفزعته القنابل في ذات الله ، وأفزع هو بدوره أعداء الله ..
يأمن من الصَّعقة (الحاكم في المستدرك : صحيح) ، فلا صعقة بعد تلك الصواريخ والمدافع ..
يجري عليه أجر عمله حتى يُبعَث (صحيح : أحمد) ، الله هو الذي اختاره لجواره وهو الذي أوقف عمله وهو الذي يكرمه .. يُجرى عليه رزقه حتى يُبعث .. (صحيح : مسلم)
يوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .. (صحيح : الترمذي) ، لقد عاش ملكاً حراً في الدنيا ، ويعيش ملكاً متوّجاً في الآخرة ..
يزوّج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين (صحيح : الترمذي) ، أنعم به من زوج وأكرم ، فوالله إنه لمن دواعي سرر الحور أن يكنّ من نصيب الشهداء ..
يُشفَّع في سبعين من أقاربه .. (صحيح : الترمذي) ، صبروا على غيابه فنالوا أجر صبرهم عند الذي لا يُضيع أجر من أحسن عملاً ..
يُحلّى حُلّة الإيمان (أحمد : حسن لغيره) ، امتلأ قلبه بالإيمان في الدنيا ليتبختر أمام الخلائق في الآخرة ..
يتمنى أن يرجع إلى الدنيا ليُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة .. (صحيح : البخاري ومسلم) ، ووالله لو رجع لما تخلف عن سرية تغزو في سبيل الله ..
روحه في جوف طير خُضر لها قنايل معلّقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل .. (صحيح : مسلم) ، فليبكي من شاء من الأحياء على نفسه ، أما روح الشهيد فقد اشتغلت بجوار عرش الرحمن ..
الشهداء على بارق نهر بباب الجنة ، في قبة خضراء ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بُكرة وعشيّة .. (أحمد : صححه ابن حبان) ، صابَروا وجاعوا في ذات الله فأكرمهم الله برزق من الجنة ..
الشهداء من أوّل من يدخلون الجنة .. (حسن : الترمذي) ، كيف لا وقد كانوا يتسابقون للقاء الله في الدنيا ..
الشهداء أُمناء الله في خلقه قتلوا أو ماتوا .. (حسن : أحمد) ، أعجب من أناس يختلفون في قول فلان شهيد وفلان شهيد ، لا يحتاج الشهيد منا الشهادة ، وإنما نحتاج نحن لشهادته يوم القيامة ..
الملائكة تظلل الشهيد بأجنحتها حتى يُرفع (صحيح : البخاري ومسلم) ، تظلل الناس بظل بيوتهم وكان ظله في الميدان الشمس والقمر ..
النبي لم يرى قط دار في الجنة أفضل من دار الشهداء .. (صحيح : البخاري) ، وكيف يكون دار خير من دار من ترك داره وأهله في الدنيا لله ..
الشهيد يُحبه الله .. (صحيح : الترمذي) ، لأنه أحب لقاء الله ..
الشهيد المؤمن الذي جاهد العدو بنفسه وماله حتى قُتل فهو في خيمة تحت عرش الله لا يفضله النبيّون إلا بدرجة النبوة .. (صحيح : أحمد) ، لأنه كان عالي الهمة في الدنيا ، فلم يرضى الله له غير تلك المنزلة ..
الشهيد من النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم من الشهيد ، وقد ورد هذا الحديث في جُليْبيب رضي الله عنه .. (صحيح : مسلم) ، جعل الله شهدائنا كلهم إخوان جليبيب وجعلنا منهم ..
الشهيد لا تأكل الأرض جسده ، وقد ورد هذا في طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، وفي غيره .. (صحيح : عبد الرزاق في المصنّف) ، كفّي يا أرض وابتعدي عنه فإنما هذا من أحباء الله ورسوله ..
الله يضحك للشهيد الذي لاقى العدو في الصف الأول .. (أحمد : صحيح) والشهيد الذي لاقى العدو في الصف الأول يتلبَّط [يضطجع] في الغرف العُلا من الجنة .. (صحيح : أحمد) ..
"ويتّخذ منكم شُهداء" !!
تعبير عجيب عن معنى عميق - أن الشهداء لمختارون . يختارهم الله من بين المجاهدين ، ويتخذهم لنفسه - سبحانه - فما هي رزية إذن ولا خسارة أن يستشهد في سبيل الله من يستشهد . إنما هو اختيار وانتقاء ، وتكريم واختصاص .. إن هؤلاء هم الذين اختصهم الله ورزقهم الشهادة ، ليستخلصهم لنفسه - سبحانه - ويخصهم بقربه .
ثم هم شهداء يتخذهم الله ، ويستشهدهم على هذا الحق الذي بعث به للناس . يستشهدهم فيؤدون الشهادة . يؤدونها أداء لا شبهة فيه ، ولا مطعن عليه ، ولا جدال حوله . يؤدونها بجهادهم حتى الموت في سبيل إحقاق هذا الحق ، وتقريره في دنيا الناس . يطلب الله - سبحانه - منهم أداء هذه الشهادة ، على أن ما جاءهم من عنده الحق ؛ وعلى أنهم آمنوا به ، وتجردوا له ، وأعزوه حتى أرخصوا كل شيء دونه ؛ وعلى أن حياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إلا بهذا الحق ؛ وعلى أنهم هم استيقنوا هذا ، فلم يألوا جهدا في كفاح الباطل وطرده من حياة الناس ، وإقرار هذا الحق في عالمهم وتحقيق منهج الله في حكم الناس .. يستشهدهم الله على هذا كله فيشهدون . وتكون شهادتهم هي هذا الجهاد حتى الموت . وهي شهادة لا تقبل الجدال والمحال !
وكل من ينطق بالشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . لا يقال له أنه شهِد ، إلا أن يؤدي مدلول هذه الشهادة ومقتضاها . ومدلولها هو ألا يتخذ إلا الله إلها . ومن ثم لا يتلقى الشريعة إلا من الله . فأخص خصائص الألوهية التشريع للعباد ؛ وأخص خصائص العبودية التلقي من الله .. ومدلولها كذلك ألا يتلقى من الله إلا عن محمد بما أنه رسول الله . ولا يعتمد مصدرا آخر للتلقي إلا هذا المصدر ..
ومقتضى هذه الشهادة أن يجاهد إذن لتصبح الألوهية لله وحده في الأرض ، كما بلغها محمد صلى الله عليه وسلم فيصبح المنهج الذي أراده الله للناس ، والذي بلغه عنه محمد صلى الله عليه وسلم هو المنهج السائد والغالب والمطاع ، وهو النظام الذي يصرف حياة الناس كلها بلا استثاء .
فإذا اقتضى هذا الأمر أن يموت في سبيله ، فهو إذن شهيد . أي شاهد طلب الله إليه أداء هذه الشهادة فأداها . واتخذه الله شهيدا .. ورزقه هذا المقام .
هذا فقه ذلك التعبير العجيب : "ويتخذ منكم شهداء" .. وهو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ومقتضاه .. لا ما انتهى إليه مدلول هذه الشهادة من الرخص والتفاهة والضياع ..
نحن لا ولن نبكي هؤلاء الشهداء ، ولكننا ربما نبكي على أنفسنا لأننا ارتضينا البقاء في هذه الدنيا مع الأقزام حتى صرنا أقزام مثلهم ..
إن ما نحن فيه من التأخّر عن القتال والرضى بالبقاء مع الخوالف هو ما يجب أن ننوح عليه ، أما أولئك الرجال فقد نفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا وقتَلوا وقُتلوا في الصفوف الأولى ، نسأل الله أن يتقبّلهم في الشُهداء .. أولئك أمناء الله على خلقه (نسأل الله أن يكونوا كذلك) ..
لا تبكوا على قتلى الفلوجة والرمادي وغزة وجنين ولكن ابكوا تقاعسكم وتثاقلكم وركونكم إلى الدنيا ..
"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " (آل عمران : 169) .. إن هؤلاء أحياء بلا شك .. إن الروح هي التي تموت لا الجسد ، فالشهيد حي ، ولكن الميت هو من ماتت روحه وإن تحرك جسده ..
إنا نحزن لفراق الأحبة ، ولكن ينبغي لنا أن نكون أشد حزناً على أرواحنا التي لم تلحق بهم ، والتي ما زالت ميتة في هذه الأرض .. ألم يأن لهذه الأرواح أن تتحرر من هذا السجن وتنطلق للحياة ..
إنه من الحماقة أن يظن العدو بأنه يفت في عضدنا بمقتل قادتنا المجاهدين !! لقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ففتحنا بعده بسنتين جزيرة العرب والعراق ، ثم مات الصديق ففتحنا بعده فارس والشام ومصر ، ثم مات الفاروق فوصلت جحافل المسلمين حدود الصين ، إننا أمة لا تعرف اليأس ..
إن هؤلاء الرجال بنوا أعمدة صلبة لا مجال لهدمها ، ومهّدوا الطريق لمن بعدهم ليسيروا على هدى ونور .. لقد أدى هؤلاء دورهم على أتم وجه ، حرثوا الأرض وبذروا البذور وسقوها بدمائهم ، فيوشك الزرع أن يشق الصخر وتنجلي الظلمة وتُقطف الثمار ..
إن هذا الدين لا يُختزل في الرجال ، بل هي راية يحملها المؤمنون ، إذا سقط أحدهم تلقّفها أخوه ، لا تتوقف هذه القافلة حتى يقاتل آخر الأمة الدجال ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
من اعداد البقالي عمر